القانون والاقتصاد كلاهما مرآة الآخر ، فالاستثمار يعد أساس التنمية الاقتصادية في دول العالم، ويعتبر السبب الرئيسي في تقدم ورُقي المجتمعات على اختلافها كما أنه يعد صفقة رابحة لطرفي العلاقة من مستثمر ودولة مستضيفة للاستثمار، فيكون كلا الطرفين عازمًا على بذل أقصى ما يملك للوصول إلى ذروة النجاح في هذه العلاقة التي تضع على عاتق كلا الطرفين العديد من الالتزامات والواجبات، ومما لا ريب فيه أن الاستثمار في حاجة إلى مُناخ يساعد على جلبه واستقراره، فالمستثمر – سواء أكان وطنيا أم أجنبيا- لن يغامر في ضخ أمواله في استثمارات ضخمة ما لم تتوفر مقومات عديدة تجعله آمنا ومطمئنا على أمواله، وهو ما يجعل المستثمر حريصًا قبل المبادرة بأي مشروع استثماري على البحث عن متطلباته القانونية، فلا تنمية بدون استثمار، ولا استثمار بدون ثقة، ولا ثقة بدون قضاء عادل متخصص وفعال من شأنه خلق مُناخ من الطمأنينة لدى المستثمرين الأمر الذي سينعكس برمته على تحقيق التنمية الاقتصادية.

فكرة إنشاء المحكمة الاقتصادية

بدت الحاجة إلى وجود المحاكم الاقتصادية كشعبة من شعب القضاء العادي، لغرس الثقة في نفوس المستثمرين المصريين والأجانب على السواء لترسيخ الشعور بأن استثماراتهم محاطة بسياج قانوني وقضائي متين ومناخ آمن يضمن المحافظة على استثماراتهم، فإنشاء المحاكم الاقتصادية بهذا المعنى مطلب قومي ملح يأتي استجابة لضرورات عصر العولمة من ناحية واستقرار المجتمع وازدهاره من ناحية أخرى، فالمعاملات الاقتصادية تفرز بالضرورة أنواعا من المنازعات التي يحتاج حسمها إلى درجة عالية من التخصص فضلا عن المرونة الإجرائية‏، ففي بداية الأمر كان ينعقد الاختصاص كقاعدة عامة في كثير من الجرائم الاقتصادية لمحاكم القانون العام، وفقا للقاعدة العامة التي تقضي بأن المحاكم العادية هي صاحبة الاختصاص الأصيل في نظر كافة الدعاوي الجنائية، باستثناء بعض الجرائم الاقتصادية التي كانت تحال إلى المحاكم العسكرية أو محاكم أمن الدولة.

ومن هنا كانت فكرة المحاكم الاقتصادية كضمان لعدالة ناجزة توفر أقصي حماية للنشاط الاقتصادي وتساعد على نجاح خطط التنمية كما تحقق مناخا آمنا للاستثمار، وقد تم استحداثها وإنشائها بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الخاص بإنشاء المحاكم الاقتصادية، وهو التشريع الذي يحدد اختصاصاتها وتشكيلها، كما ينظم كافة المسائل المتعلقة بها، لتكون بمثابة قضاء متخصص لنظر المنازعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي في البلاد‏،

دور المحاكم الاقتصادية في تحقيق التنمية الاقتصادية

سرعة الفصل في القضايا

قيل سابقا” إن العدالة تفقد وظيفتها الاجتماعية إِنْ تأخر وصولها” ولذلك يؤخذ على المحاكم العادية ذات الولاية العامة اْلبُطء في نظر الدعاوى وطول إجراءات سيرها ونظرها الأمر الذي يؤدي إلى إطالة أمد النزاع، واستدامة الخصومة وهو مالا يتفق جليا مع القضايا التجارية التي لا تتحمل الانتظار بقدر ما تتطلب السرعة، فكلما قصُر أو اُختُصر الوقت الذي يستغرقه الفصل في القضية، كان ذلك مؤشرا إيجابيا على الأداء، فمؤشر الوقت في الجانب القضائي يقتضي التوفيق بين أمرين اثنين؛ أولهما اختصار الوقت أو زمن إنجاز العملية القضائية؛ بدءا من لحظة رفع وقيد الدعوى.

الإسهام في دعم التنمية الاقتصادية .

يتجلى إسهام المحاكم الاقتصادية المتخصصة في دعم التنمية الاقتصادية من خلال تطبيق المبادئ التي تشجع على تحقيق هذه التنمية، وخاصة المنافسة المشروعة والإنصاف، والشفافية في المعاملات التجارية ضمانا لاستمرارية الأعمال التجارية وحماية للدائنين، ومن هنا تبرز أهمية وجود قواعد إجرائية تتسم بالبساطة وقواعد للإثبات تتسم بحرية الإثبات مما يستلزم بيئة قضائية خاصة، وقضاه لهم تأهيل خاص؛ ولذلك فإنه يمكن القول بأن وجود محاكم تجارية متخصصة يُلِمُّ القاضي فيها بالمستجدات التجارية المعاصرة، بالإضافة إلى إلمامه بالقوانين ذات العلاقة سيكون لها انعكاسات إيجابية على التنمية والاستثمار وكذلك مواجهة التحديات الخارجية المرتبطة بالتنافسية.

تخفيف العبء عن كاهل المحاكم العادية

المحاكم العادية ذات الولاية العامة، تنظر في مختلف القضايا بأنواعها: (المدنية، والتجارية، والجزائية، والأحوال الشخصية) الأمر الذي يؤدي إلى تراكم القضايا المعروضة عليها فيؤثر بشكل مباشر على بطء الإجراءات مما يشكل عرقلة واضحة في وجه المواطنين والمستثمرين سواء أكانوا محليين أم أجانب؛ لذلك فإن إنشاء محاكم تجارية متخصصة سيؤدي – دون شك- إلى تخفيف العبء عن كاهل المحاكم العادية؛ ومن ثمَّ سرعة بَتها أيضا في القضايا المعروضة عليها.

اختصاصات المحاكم الاقتصادية:

نصت المادتين الرابعة والسادسة من القانون 120 لسنة 2008 بشأن المحاكم الاقتصادية على اختصاصات المحكمة وذلك على النحو التالي:-
أولا: نصت المادة الرابعة على أنه تختص الدوائر الابتدائية والاستئنافية بالمحاكم الاقتصادية دون غيرها، وبنظر الدعاوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المنصوص عليها في القوانين الآتية:
قانون الإشراف والرقابة على التأمين في مصر.
قانون العقوبات في شأن جرائم التفالس.
قانون سوق رأس المال‏.‏
قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
قانون ضمانات وحوافز الاستثمار.
قانون التأجير التمويلي‏.‏
قانون التمويل العقاري‏.
قانون الإيداع والقيد المركزي للأوراق المالية‏.
قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد
قانون حماية الملكية الفكرية‏.‏
قانون الشركات العاملة في مجال تلقى الأموال لاستثمارها‏.
قانون التجارة في شأن جرائم الصلح الواقي من الإفلاس.
قانون حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة فى التجارة الدولية.
قانون حماية المستهلك.
قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
قانون تنظيم الاتصالات.
قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات
ثانيا: بينما نصت المادة السادسة من ذات القانون على أنه تختص الدوائر الابتدائية فى المحاكم الاقتصادية، دون غيرها بنظر المنازعات والدعاوى التي لا تجاوز قيمتها خمسة ملايين جنيه “فيما عدا المنازعات والدعاوى التي يختص بها مجلس الدولة”، والتي تنشأ عن تطبيق القوانين الآتية‏:‏
قانون سوق رأس المال‏.‏
قانون الشركات العاملة فى مجال تلقى الأموال لاستثمارها‏.
قانون ضمانات وحوافز الاستثمار.
قانون التأجير التمويلي.
قانون حماية الاقتصاد القومي من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية.
قانون التجارة فى شأن نقل التكنولوجيا والوكالة التجارية وعمليات البنوك والإفلاس والصلح الواقي منه.
قانون التمويل العقاري‏.‏
قانون حماية الملكية الفكرية‏.
قانون تنظيم الاتصالات.
قانون تنظيم التوقيع الإلكتروني وإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.
قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة.
قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد.
الخلاصة:
إن وجود محاكم اقتصادية متخصصة تساعد وتساهم في رفعة الاقتصاد وازدهار التنمية في البلد، كما تعتبر المحاكم الاقتصادية المتخصصة الجهاز القضائي المؤهل لرفع التحديات الداخلية وتحقيق التنمية الاقتصادية، وبذلك فقد صارت تلك المحاكم فاعلا اقتصاديا أساسيا مندمجا في عملية التنمية؛ ذلك لأن القضاء المستقل النزيه المتخصص والفعال هو الكفيل بخلق الثقة، وتشجيع الاستثمارات، ووضع حد للانغلاق، كما إن ضم الدوائر الابتدائية والاستئنافية في منظومة واحدة توفر السرعة وتتجنب تضارب الأحكام والرؤى بين تلك الدوائر،‏ والجمع بين الشق المدني والجنائي أمام محكمة واحدة بما يحققه من سرعة إصدار الحكم وسلامته،